
قبل أن أخوض في تفاصيل (التّسويق بالنّدرة)، هل سبق لك أنْ جذبك شيء بسبب كميته المحدودة؟
أو قمت بالتسجيل بدورة بعد سماعك أنّه لم يبقَ سوى مقاعد محدودة حتّى ينتهي التّسجيل؟
في أحد كتب علم النّفس “Theory of Psychological Reactance” لـ جاك بريهم، قام بوضع لعبتين صغيرتين متطابقتين في غرفة، وشارك في الاختبار عدّة أطفال، كان أمام إحدى اللّعبتين حاجز زجاجي، بدأت محاولة الأطفال الالتفاف حول الحاجز حتّى يتمكّنوا في الحصول على اللّعبة هذه، بينما كانت اللّعبة الأخرى متاحة أمامهم بدون حاجز، لكنّ اللّعبة الأكثر جاذبية لهم هي تلك التي وُضِعَ أمامها حاجز.
– يعمل (التّسويق بالنّدرة) على نفس المبدأ وبتفصيل أكثر، فللدماغ البشري سلوك معيّن يتأثر بالمحيط، وهذا المبدأ يعمل عليه المسوّقون من خلال تكوين استراتيجيّات تؤثّر على رغبة النّاس في الشّراء، وهذا ما سنفصّله في مقالنا بما أنّه نوع من أنواع التّسويق، فلو كنت مسوّق أو صاحب مشروع فلا بدّ أنّ هذا المقال يهمّك.
ماهي النّدرة؟
في تجربة أجراها الباحثون (Worchel) و (Lee) و (Adewole) في عام 1975م على (200) مشارك، طلبوا فيها من المشاركين تقييم عبوتين من الكوكيز (A) و (B).
في البداية، احتوت كلتا العبوتان على عشر حبات من نفس الكوكيز بالضّبط، بعد ذلك تمّت إزالة ثمانية من الكوكيز من العبوة الثّانية (B) لجعلها أكثر ندرة، ثمّ أخبروهم أنّها نقصت لأسباب معينة، على أنّ العبوة (A) بقيت على حالها
وبعدها كان على المشاركين الاختيار بين العبوتين (A)و (B) وبعد ذلك تقييمهم.

برأيك أيُّ برطمان هو الأكثر اختياراً من قِبَل المشاركين؟
النتيجة: أنّ المرطبان (B) حصل على نتائج أعلى وأكثر رغبة للمشاركين، لاعتقادهم أنّه ألذّ، وهذا ما جعله ينفد بسرعة.
في إعلانٍ آخر قرّرت إحدى شركات الملابس اختبار التّسويق بالنّدرة من خلال البيع عبر الإنترنت، عرضت فيه قطعة من الملابس تظهر أنّه سيتم شحن القطعة خلال فترة محدودة من اليوم، وتمّ عرض ذات القطعة بدون أن يتمّ توضيح الشّحن.
النّتيجة:
عرض الشّحن لفترة محدودة عزّز المبيعات بنسبة 226٪، ببساطة كل ما يتطلّبه الأمر هو سطر نصي واحد مع العد التّنازلي.
– للاستفادة الكاملة من النّدرة لزيادة مبيعاتك عليك أن تفهم تمامًا كيف يمكن أن تطبّقها على منتجاتك، فبإحدى الدّراسات قِيل: إنّ المنتجات قد يختلف تأثيرها على المستهلك/ وهذا ما يقع على عاتقك كمسوق، أن تفهم كيف يفكّر مستهلكك بالمنتج الخاصّ بك؟
ومن المعروف بعالم التّسويق أنّ النّدرة تزيد من قيمة -أو على الأقل الرّغبة- العنصر، أو تجربة الخدمة لعدّة أسباب مثل:
– كونها مفيدة.
– سبب ندرتها أنّها قيّمة فعلاً.
– الحاجة غير الحقيقيّة، بمعنى أنّها لو انتهت فسأكون خاسراً.
بدراسة أخرى قام الدّكتور مايكل لين (Dr. Michael Lynn) -أستاذ في جامعة (كورنيل)- بتجميع قائمة من التّفسيرات الّتي وجدها علماء النّفس والباحثون على مرِّ السّنين، والّتي تدرس سبب تأثير النّدرة في الرّغبة على الشّراء، فقد قسّمها لفئتين:
1- العنصر النّادر يعني بأنّه حصري ومثيله غير ممكن الحصول عليه فيما بعد، لذلك يشعر المستهلك أنّه بحاجة لاستهلاكه.
2- العنصر النّادر يشعرك بأنّه أصلي وممتاز وهذا سبب نفاده.
وبقول آخر يجادل روبرت سيالديني في كتابه “Influence: The Psychology of Persuasion ، سيكولوجية الإقناع” بأنّ: فكرة الخسارة المحتملة تلعب دورًا في كيفيّة اتخاذنا للقرارات.
لنأخذ موسم الجمعة السّوداء أو الجمعة البيضاء كمثال: أنت تعلم كيف ينتظرها النّاس بشوق ليشتروا الجهاز الّذي يريدونه بالسّعر الأدنى، وهذا ما يُعرَف بظاهرة (الخوف من الضّياع FOMO)، حيث أنّه وجدت إحدى الإحصائيّات أنّ 68٪ من المستهلكين من جيل الألفيّة يقولون أنّهم سيشترون شيئًا ما بسبب الشّعور بظاهرة FOMO بداخلهم، هل تبدو لك أنّها نسبة قليلة؟ على العكس.
النّفور من الخسارة هي آلية مرتبطة بمفاهيمنا قام بها أحد الباحثون Kahneman & Tversky، بمعنى أنّ الإنسان لا يرغب بمواجهة الخسارة قدر إمكانه ويُعتقد أنّ ألم الخسارة من النّاحية النّفسيّة أقوى بمرّتين من متعة الفوز.
وبدراسة أخرى أجراها Gächter et al قال فيها: “يمكن أن يُفَسَّر المبدأ الأساسي لنفور الخسارة، لهذا تكون العقوبة في بعض الأحيان أكثر فعاليّة من المكافأة في تحفيز النّاس.” (Gächter et al. ، 2009)، وقد تمّ تطبيقها في استراتيجيات تغيير السّلوك.
بدراسات أخرى قدّم علماء النّفس (عاموس تفيرسكي، ودانيال كانيمان) مفهومًا يُعرَف باسم “النّفور من الخسارة – loss aversion”، والّذي تمّ استخدامه لاحقًا لفهم ديناميكية الاقتصاد ونظريّة السّلوك البشري على اتّخاذ القرار والمغزى لها كان أنّ النّاس غالبًا ما يُظهرون ميلًا إلى تجنّب الخسائر أكثر من اكتساب المكاسب.
قد يساعد هذا المفهوم في تفسير أنواع أخرى من السّلوكيّات الّتي تبدو اندفاعيّة أو غير عاديّة أو خارجة عن الشّخصيّة. تشير بعض الدّراسات إلى أن الخسائر من أي نوع يُنظر إليها على أنّها ضعف قوّة المكاسب الفعليّة من النّاحية النّفسيّة.
أنواع النّدرة:
وضع ألفاظ تثير الرّغبة باقتناء المُنتَج، وللندرة ألفاظ كثيرة نذكر لكم بعضها:
1- مثل: “العرض المحدود!”.
“العرض ينطبق فقط على المخزون الحالي!”.
“لم يتبقَّ سوى مقعدين بهذا السّعر!”.
“المُنتَج متاح للشحن الفوري، ولكن هناك عنصرًا واحدًا متبقيًا في المخزون”.
“أكثر المنتجات مبيعاً”.
2- وضع عدّاد يبني عند المستهلك شعوراً أنّ الشّركة الّتي تعرض المنتج قيّمة أو أنّ المنتج قيّم.
3- العروض الموسميّة:
وهو أن يكون لديك عرض على مُنتَج بشكل موسمي أو سنوي وهذا ما سيجعل العملاء ينتظرون الوقت لاقتنائه.
أظهرت دراسة تتبع الشّراء لمجموعة لأحد الماركات على المشروبات الموسميّة مثل: (لاتيه اليقطين)، على أن العروض الموسميّة لا تحفّز عمليات الشّراء فحسب، بل إنّها تنتج أيضًا متوسّط حجم طلب أعلى.